ومن رحمته تيسير التوبة
يقول تعالى:{ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه} البقرة 37. ان سيدنا آدم
حينما عصى الله، وأكل من الشجرة ندم، ولكنه لم يكن يعرف كيف يتوب.
{ فتلقى آدم من ربه كلمات} ان قالها يتوب الله عليه ويغفر له.
فما هي هذه الكلمات..؟ هي:{ ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونّن من الخاسرين} الأعراف23.
حقا ان من رحمة الله بنا أنه ييسّر لنا التوبة كما رأينا كيف يسّرها لأدم عليه السلام..
يا
سبحان الله..!! ليس العجيب أن عبدا يتذلل الى سيده ويتودد اليه، ولكن
العجب كل العجب من سيد يتودد الى عبده، فالله يتودد الينا برحمته.
أراك تشعر بأن هذه الآية فيها سرّ عجيب.. هيا اجعلها دعاءك الدائم لا يفتر منها لسانك، ولتجعلها بداية عصر جديد..
{ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}.
ومن رحمته ارسال الرسل وانزال الكتب وسنّ الشرائع
يقول الله تعالى:{ وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون} الأنعام 155.
يا
الله!! لو نفذتم ما في الكتاب فسوف ترحمون.. نعم، من لاحمة الله بنا هذا
القرآن وهذه الشريعة الاسلامية.. واياك أن تقول: بأن قطع يد السارق،
والجلد وهذه الحدود ظلم.. لا والله انها رحمة بهذا المجتمع حتى يصان..
احفظ مني هذه:" الشريعة الاسلامية مبنية كلها على الرحمة".
والدليل على ذلك.. انظر الآن:
كم من الجرائم.. والشذوذ.. والاغتصاب..و..
والله ان العالم يحتاج الى الشريعة الاسلامية.
ومن رحمته انه جعل لنا يوم القيامة
وانك تتعجب حينما تعلم أن من رحمة الله بنا أنه جعل لنا يوم القيامة، يقول تعالى:
{ كتب على نفسه الرحمة، ليجمعنّكم الى يوم القيامة} الأنعام 12. انظر الى تركيب الآية..!!
انه
من رحمته أن يجمعكم يوم القيامة حتى يأخذ كل ذي حق حقه.. هذا الشاب الصالح
الذي صان نفسه عن المعاصي وغضّ بصره.. وهذا الذي ظلم في الدنيا.. وهذا
الذي ظلم الناس.
تخيّل هناك أناس تقدم على الله يوم القيامة كالمسافر العائد الى أهله مسرورا (صاموا.. صلوا.. قاموا لله.. غضوا أبصارهم.. ظلموا).
وهناك أناس تقدم على الله يوم القيامة كالسجين الهارب من السجن وقد قبض عليه (هؤلاء الذين نسوا الله في الدنيا).
فرق كبير بين الاثنين.. حقا ان يوم القيامة لرحمة.
ومن رحمته انه خلق المرأة
ان من آثار رحمة الله تبارك وتعالى أنه خلق المرأة لجلب العاطفة الى
الأرض، ولولا هذه الرحمة لخلت الأرض من الود والعاطفة الى الأرض، ولولا
هذه الرحمة لخلت الأرض من الود والعاطفة، هذا ليس مبالغة، يقول النبي صلى
الله عليه وسلم:" عاش آدم في الجنة قبل حوّاء فاستوحش فخلقت حوّاء، فقال
من أنت ولم خلقت؟ فقالت: أنا سكن لك".
انظر لكلمة (استوحش) ولذلك خلقت حوّاء.
وانظر الى العلاقة بين الرجل والمرأة 0سكن).
ان النساء في الاسلام شقائق الرجال.. ليس في الاسلام معركة بين الرجل والمرأة.. فالمرأة في الاسلام مكرّمة لها مكانتها.
ومن رحمته نزولنا الأرض
ومن رحمة الله عز وجل أنه أنزلنا الى الأرض.. أراك تتعجب بعدما قرأت هذا
وتقول: هل من المعقول أن نزولنا الأرض، وعدم دخولنا الجنة مباشرة رحمة
لنا..؟
وأقول لك: هناك الكثير عندهم هذه المشكلة، ولكن اذا عرف السبب بطل العجب!
فبطبيعتنا
أننا نمل من الشيء الذي نحصل عليه بسهولة ولا يعجبنا بعد فترة، ولكن الشيء
الذي نتعب في الحصول عليه لا نمل منه أبدا، ونسعد به سعادة كبيرة، مثل
الأب الذي تعب في جمع المال يخاف على سيارته أن تخدش خدشا بسيطا، ولكن
الابن يأخذها يوما فلا يحافظ عليها لأنه لم يتعب فيها.
ولذلك
فمن رحمة الله بنا نزولنا الى الأرض، والاشتياق الى الجنة.. اعبد الله
حياتك كلها واجتهد في العبادة واتعب حتى تسعد بالجنة ورؤية الله عز وجل..
اننا لا بدّ أن نصحّح الكثير مما نفهم.
ومن رحمته تنغيص الدنيا
ومن رحمة الله بنا أنه نغص علينا الدنيا، وابتلانا فيها حتى لا نرتاح الى
هذه الدنيا أبدا، ونشتاق الى الجنة، والله انها لرحمة كبيرة، فبالرغم مما
في الدنيا من تعب وتكدير وتنغيص، الا أننا نخرج منها بالبكاء الشديد و..
فما بالنار لو كانت حلوة لا تنغيص فيها ولا مشقة ولا عناء، فكيف يكون خروجنا منها؟..
فمن رحمته أنه كدّرها ونغصها علينا حتى نعلم أنها ليست مستقرا وليست دائمة..
رحمته عمّت البشرية جميعها حتى الكفرة
كل هذه الرحمات السابقة، وأيضا كل الرحمات الآتية.. كل هذا من رحمة واحدة من مائة جزء.. سبحان الله الخالق العظيم الرحمن الرحيم...
ومن رحمته بنا أن هذه الرحمة عمّت البشرية جميعها حتى الكفرة..
كيف
ذلك..!؟ هل يمنع الله الرزق عن الكافر؟ أبدا.. أليست هذه رحمة؟ سبحان
الله..! انهم يعصون الله ولا يؤمنون به ومع ذلك.. هل يمنع عنهم الهواء! لا
والله، بالرغم من أن الأرض أرضه والسماء سماؤه.
ومع ذلك يرزقهم ولا يمنع عنهم الهواء ولا الماء.. رحمة من الله، لعلهم يعودون اليه، واسمع هذه القصة:
جاء
شيخ كبير الى سيدنا ابراهيم عليه السلام، فدعاه سيدنا ابراهيم الى الطعام،
وأوقد النار لينضج الطعام، فجاء هذا الشيخ الكبير وسجد أمام النار؛ لأنه
كان يعبدها فقال له سيدنا ابراهيم: قم أتعبد النار؟ فقام الرجل وخرج،
فأرسل الله جبريل الى سيدنا ابراهيم:" يا ابراهيم لم لم تتحمّله ساعة وأنا
أتحمّله ستين عاما" فجرى خلفه سيدنا ابراهيم، وقال له: هلم الى الطعام،
فقال الشيخ: لما؟ فقال ابراهيم: لقد عاتبني ربي فيك. فقال الشيخ: اله رحيم
لا بدّ أن يعبد، وأسلم الرجل.
وانظر الى سيدنا ابراهيم حينما قال:
{ واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات} البقرة 126.
(ثم
اشترط شرطا) {من آمن منهم بالله واليوم الآخر} البقرة 126، ولكن انظر الى
رحمة الله:{ ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطرّه الى عذاب النار} البقرة 126.
اقرأ الآية مرة أخرى.. وافهمها.
رحمات مخصومة
وهناك رحمات نخصومة للمؤمنين، تتنزل على أهل المساجد تحيط بكل واحد منهم،
وتدعو لهم الملائكة بالرحمة:" ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون
كتاب الله، ويتدارسونه بينهم الا غشيتهم الرحمةو.." رواه مسلم 6793 وأبو
داود 1455.
انها رحمات خاصة بالمؤمنين { وكان بالمؤمنين رحيما} الأحزاب 43.
{فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته} الجاثية 30.
ولذلك لا بد أن تستشعر أن المؤمنين في رحمة الله.
{فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} البقرة 38.
هل ذقت هذا الشعور من قبل؟.. هيا تذوقه الآن؟..
(قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)
انني كنت أقرأ هذه الآية ولا أفهمها {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا
هو خير مما يجمعون} يونس 58. وأقول: كيف أفرح برحمة الله، ولكن أيها
الأحبة مجرد شعوركم بأن رحمة الله تعمّكم، هذا الشعور كفيل بأن يجعلك
تفرح.. لا تفرح بالمال ولكن افرح حينما تجد نفسك في رحمة الله.. حينما تجد
نفسك تصلي في المسجد افرح، حينما تصلي ركعتين بالليل افرح:" رحم الله رجلا
قام من الليل فصلى.." رواه أبو داود 1308 والنسائي 1609 وابن ماجه 1336.
حينما تجدي نفسك أنت وزوجك تصليان ركعتين بالليل فافرحا، فأنتما من المرحومين يوم القيامة.
هل عرفت الآن بماذا تفرح..!؟
ليس المطلوب المعرفة فقط، ولكن المطلوب هو العمل والتنفيذ أليس كذلك؟؟
نريد أن نفهم..!!
سبحان الله!! اذا كان الله يرحمنا كل هذه الرحمات، فلماذا اذن نعذب في هذه
الدنيا؟ ولماذا نتعرض للمشاكل؟ فلانة طلقت، فلانة ابنها توفى، فلانة..
وفلان لا يجد عملا، فلان رسب في الامتحان، فلا..
طالما أن الله يريد أن يرحمنا، فلماذا يحدث كل هذا لنا في الدنيا..!؟
واليك
الجوابن حتى تتضح الصورة، وتفهم.. ان الرحمة تقتضي توصيل المنفعة، أو دفع
الضرر، ولكن أحينا لا نعرف أين المنفعة وأين الضرر، وقد يكون توصيل
المنفعة لك أمر غير طبيعي، فأنت تكرهها، مثل الابن الذي يرفض الدواء المر،
فادراك عقله ما زال قاصرا، فلا يدرك أن هذه المرارة التي في الدواء فيها
شفاء، ولكن الأب يسقيه الدواء فينظر الابن الى أبيه ولسان حاله يقول:
لماذا تعذبني؟! ولله المثل الأعلى.
فالمنفعة الحقيقية أن تصل الرحمة اليك، حتى وان كنت تكرهها.
وما رأيك بأب يدلل ابنه عند خطئه ويقول رحمة به..!! ماذا ننتظر من هذا الولد بعد فترة.. انه سيفسد.. هل وضحت الصورة؟
انظر الى سيدنا موسى تربية القصور، تربى في بيت فرعون.. وفجأة تتغيّر حياته..
يهرب خارج مصر 10 سنوات، يرعى الغنم في مدين... يا الله لماذا كل هذا!؟
لأنه
فيما بعد سيقود بني اسرائيل، وما أدراك ما هم!؟ فكان لا بد له من هذا..؛
لأن الأمر عظيم.. فهذا رحمة به " أحيانا يحدث لك أمر أراد الله به أن
يرحمك ولكنك لا تفهم".